31 Oct
31Oct

لكن تبقى تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي الصامدة الوحيدة ضد رياح الزمن، ورغم تعطل بعض المشاريع والتي لم تدخل حيز التنفيذ، إلا أن حالة من الرضا تسود الجميع لاستمرار التجربة أكثر من عقدين من الزمان. لكن وبالعودة للتجارب الوحدوية التي تعرضت للفشل فإن الوضع يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب والمسببات التي أدت وتؤدي لفشل مشاريع الوحدة العربية وعدم استمرار العديد من المحاولات والتجارب التي لم تنجح منها سوى التجربة الخليجية والتي لم تنج هي الأخرى بالكامل من بعض السلبيات، وعدم القدرة على استفادة العرب من تجارب الوحدة الأسيوية والأفريقية والأوروبية بما يضمن الاستمرار وتحقيق الاستقرار.

غياب الإرادة السياسية... في البداية، أكد الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية على أن فشل مشاريع الوحدة بين الدول العربية يرجع في الأساس إلى غياب الإرادة السياسية الكافية وتعارض المصالح والأهداف والرؤى والتوجهات والاستراتيجيات التي تأخذ اتجاهات متعارضة ومتباينة، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون ومشاريع الوحدة الاقتصادية. وقال: إن التجارب الأوروبية والدولية للوحدة أكدت أن الاقتصاد والمصالح المشتركة هما أساس لأية وحدة والركيزة لأي تعاون، غير أن المشروعات الوحدوية العربية عندما تتم فهي تتم من منظور سياسي بحت ربما لخدمة توجهات مرحلية ما تلبث أن تزول وبعدها ينتفي الهدف من تجربة الوحدة، ولذلك كان أمرا طبيعيا أن تفشل التجارب العربية الوحدوية. وأضاف لهذا السبب نلح ونكرر وندعو دوما إلى ضرورة أن يكون الاقتصاد والمصالح العربية المشتركة هما المدخل لأي وحدة لأن الشعوب إذا وجدت أن مصالحها تتحقق بالوحدة وأن مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية تتحسن بها فستكون الشعوب أحرص عليها من أي شيء وسيكون دافعا قويا للحكام والقادة للتمسك بها والاستمرار فيها.

هيمنة العاطفة... وبدوره، أرجع السفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب الفشل المتكرر لجهود الوحدة بين الدول العربية، إلى هيمنة العاطفة على قراراتنا وتوجهاتنا فبالعاطفة نقرر الوحدة وبالعاطفة أيضا نقرر الانفصال، وبالعاطفة نكون أشقاء وبالعاطفة يلعن بعضنا بعضا، فقراراتنا تتم في أغلب الأحيان بعيدا عن التفكير العقلاني المنطقي، فمازالت تؤثر فينا شخصيتنا العربية نحن كرماء في الشدائد والمحن، ولكننا أكثر حدة وعنفا وثورة وعداء عند أي خلاف، فعواطفنا متطرفة في جميع الحالات.  وتابع بيومي: نحن لا ننكر أن نوايا القادة والزعماء كانت طيبة وحسنة عندما كانوا يقررون السير على درب الوحدة، ولكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، حيث ان مثل هذه المشاريع كثيرا ما تواجه ببعض المعوقات والمشاكل والعراقيل، ونظرا لرغبة قادة الدول في تحقيق الوحدة خاصة مع الزخم الشعبي الذي تلقاه كان يتم تأجيل تلك المشاكل والعقبات المرة تلو الأخرى حتى تتفاقم وتستعصي على الحل وتكون النتيجة دوما هي الفشل.

خمسة أسباب... أما السفير صلاح فهمي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق فقد ارجع فشل الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة بين الدول العربية إلى خمسة أسباب رئيسة، أولها التباين في نظم الحكم في المنطقة العربية باعتبارها قبلية وملكية وجمهورية وجمهورية بالوراثة، وهذا ما يجعل من توحيد الدول أمرا بالغ الصعوبة.

وأضاف أن السبب الثاني يرجع إلى أن العالم العربي قائم على الشخصنة والأفراد وتأليه الحاكم الذي لا يريد معه شريكا أو خليفة، على عكس النظم الحاكمة في الدول الأخرى خاصة الأوروبية والحكم فيها قائم على المؤسسات، وهو ما يجعل الاندماج والوحدة بين هذه المؤسسات أكثر سهولة.

وتابع فهمي: أن السبب الثالث لفشل مساعي الوحدة بين الدول العربية يعود أيضا إلى تباين الثروات في العالم العربي وانقسامها إلى دول غنية وأخرى فقيرة وترى الدول الغنية أن شقيقاتها الفقيرة تطمع فيها وتريد نهب ثرواتها وخيراتها، في الوقت الذي ترى فيه الدول الفقيرة أنه لا خير في أي وحدة ما لم يكن هناك تعاون وتكافل ومشاركة حسبما دعت إليه الأديان السماوية التي تؤمن بها المنطقة العربية.

أما السبب الرابع فهو يرجع على الرغم من كون الجامعة العربية تعد أقدم منظمة إقليمية على مستوى العالم ورغم وجود منظمات عديدة منبثقة عنها سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية إلا أن هذه المنظمات فشلت دائما في تحقيق أي تقارب على أي مستوى من هذه المستويات حتى أنها فشلت في ابسط شيء يمكن أن يتم الاتفاق عليه ولا يوجد بالمنطقة العربية حتى الآن وحدة للمقاييس.

وأشار إلى أن السبب الأخير هو اختلاف الفكر وعدم وجود وحدة في الفكر العربي على الرغم من وحدة اللغة ووحدة الدين وهذا أمر محير ومتناقض وهذا طبيعي في منطقتنا العربية باعتبارها منطقة قمة المتناقضات في مختلف المجالات.

تجربة دول الخليج 

أما الكاتب والمفكر السياسي طلعت رميح، فيقول «للأسف الشديد أننا أصبحنا الآن بصدد الحديث عن استمرار الوحدة السياسية والجغرافية للدولة العربية الواحدة أكثر مما نحن بصدد الحديث عن استمرار وحدة الدول العربية التي قسمها الاستعمار فأصبحت هي متشبثة بالوضعية التي وضعها فيها الاستعمار خلال احتلاله المباشر وفيما بعد خلال مرحلة الاحتلال غير المباشر التي نعيشها حتى الآن».

وتابع قائلا: أما بصدد الوحدات العربية فواقع الحال أننا نتحدث عن النموذج المصري السوري في الخمسينات ونتحدث عن تكوينات إقليمية جرت بعدها قبل عقدين أو أكثر ولم يعد باقيا منها وبصورة فاعلة إلا ما هو بين دول الخليج التي أصبحت نموذجا جيدا.

وأضاف: لم تجر فعليا محاولات حقيقية للوحدة العربية، إلا إذا ما اعتبرنا ما تم بين ليبيا ومصر والسودان والمعروف بالاتحاد الثلاثي، وحدة وهو الذي لم يبق منه سوى شركة اتحاد النقل البري أو ما يعرف في مصر بـ «السوبر جيت» حيث انتهت الوحدة.

وشدد رميح على أن الأسباب الحقيقية في عدم نجاح عدة تجارب وحدوية عربية لعدم وجود نوايا حقيقية، أو استعداد فعلي للتخلي عن سقف كرسي الحكم إذ أن الوحدة تستلزم تكريس ما هو أعلى لمصلحة متطلبات الوحدة.

وأضاف: للأسف الشديد كان عامل الخوف من أي مواجهة مع الكيان الصهيوني أو مع المستعمر واللذين يرفضان أي وحدة عربية، كان أعلى من الاستعداد للدخول في مسألة الوحدة، مشيرا إلى أن الوحدة كانت وستبقى معركة في مواجهة مع أطراف دولية وإقليمية، وليست مجرد مسألة مرتبطة برغبات أفراد أو شعوب.

وأشار إلى أنه لا توجد إرادة سياسية لتوحيد الأمة، ولذلك عدنا الآن للتمني لاستمرار وحدة الدولة جغرافيا وسياسيا أو ما يسمى بالدولة الأمة، وأصبح أقصى طموحنا أن نحافظ عليها في مواجهة رياح التقسيم العرقي والطائفي والاثيني والثقافي والمذهبي.

 حلم مشروع

ومن جانبه، أكد السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية ان حلم الوحدة لدى شعوب الدول العربية حق مشروع يجب أن تتمسك به، وعليها أن تعمل جاهدة من أجله وأن تسعى من خلال الفعاليات المختلفة سواء الرسمية أو الشعبية أن تزيل العراقيل والحواجز التي تعوق تحقيق الحلم والسعي لترسيخ الثوابت والمكتسبات التي تزيد من جاذبية ذلك الهدف وتجعله قابلا للتحقيق.

وتطرق إلى الجهود الحثيثة والخطوات التي تتخذها جامعة الدول العربية من خلال آلياتها المختلفة وخاصة آلية القمة لتحقيق ذلك الهدف. منوها بأن القمة الاقتصادية التي عقدت هذا في الكويت كانت أحد المسارات والمحاولات لتحقيق الوحدة وإعطاء دفعات للدول والمجتمعات العربية الأقل نموا، بمساعدة من الدول العربية الغنية لتحقيق الاندماج الاقتصادي، خاصة بعد أن قطعنا أشواطا كبيرة في طريق انسياب التجارة البينية وإقامة منطقة التجارة الحرة.

ودافع بن حلي عن فشل جامعة الدول العربية في تحقيق الوحدة، مؤكدا أن الجامعة ليست بمعزل عن الدول وليست لها اليد الطولى في المنطقة، وأنها مجرد مرآه تعكس واقع الوطن العربي، فإن كان خيرا فخير وإن كان غير ذلك فالدول تتحمل المسؤولية، لافتا إلى أن أية جهود يمكن أن تتم تصطدم دوما بمبدأ السيادة الوطنية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة